1- بطاقة التعريف
نشأ العالم المصري "أحمد حسن زويل" في مدينة دمنهور بالبحيرة(محافظة تبعد 45 كم من الإسكندرية) في 26 فبراير 1946 لأسرة مصرية بسيطة.. الأب كان يعمل مراقباً فنيا بصحة "دسوق"، و هو الابن الوحيد على ثلاث بنات؛ هانم، سهام، و نعمة.
حصل الدكتور أحمد زويل على الشهادتين الابتدائية و الإعدادية من مدرسة النهضة، و حصل على الثانوية من مدرسة دسوق-التي انتقل إليها والده للعمل بها- ثم التحق بكلية العلوم جامعة الإسكندرية حيث حصل على البكالوريوس عام 1967 بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف.. ثم حصل على الماجستير في علم الأطياف عام 1969.. سافر بعدها د. زويل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليبدأ رحلته للحصول على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا عام 1974، وعمل خلال تلك الفترة معيدا وزميلا وباحثا بنفس الجامعة.
وحصل زويل على زمالة جامعة بيركلي عام 1975، وعمل أستاذا مساعدا للطبيعة الكيميائية بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتكCALTECH ) في "باسادينا Pasadena" من عام 1976 حتى عام 1978 ثم أستاذا بنفس المعهد حتى الآن.
استطاع أحمد زويل أثناء عمله العلمي في الولايات المتحدة أن يعلو يوما بعد الآخر حتى صار واحدا من أساطير العلم بها.. و لكن أهم إنجازاته قاطبة ذلك الفتح العلمي العظيم في مجال الكيمياء(الفيمتو ثانية) فقد استطاع لأول مرة في تاريخ العلم، تصوير عملية التفاعل الكيميائي التي لا تستغرق سوى لحظة من مليون بليون جزء من الثانية، فغير بذلك علم الكيمياء الحديثة، إذ لم يكن العالم يعرف بالضبط ماذا يحدث أثناء تلك اللحظة و لا الوقت الذي تستغرقه، و سلم العلماء طيلة السنوات الخمسين الماضية بالصورة التقريبية التي وضعها "ماكس بورن"، و"روبرت اوبنهايم" بما يسمى باللحظة الانتقالية التي تنفك خلالها الروابط الكيميائية للجزيئات وتقرن بجزيئات مادة أخرى ويولد عنها جزيء جديد لمادة جديدة.
صمم د. زويل كاميرا جزيئية لتصوير عملية التفاعل التي تحدث في وقت مثل ثانية واحدة في فيلم يستغرق عرضه 32 مليون سنة!.. وكانت النتيجة أكثر من "30" جائزة دولية.. فقد حصل عام 1981 على جائزة بحوث الكيمياء المتميزة من مؤسسة (N.R.C) ببلجيكا، واختارته الجمعية الأمريكية للطبيعة زميلا لها عام 1982.
وخلال عامي 1982 و1984 منحته المؤسسة القومية الأمريكية للعلوم جائزتها، وفي عام 1989 حصل على جائزة الملك فيصل في الطبيعة (وبذلك يكون أول عربي حصل على هذه الجائزة في العلوم و لذلك فهو يعتز بهذه الجائزة جدا)، وجائزة هوكست 1990، وقد تم اختياره في نفس العام كنموذج للشخصية المصرية الأمريكية‘ كما حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة اكسفورد عام 1991 وفي عام 1993 حصل على جائزة وكالة ناسا للفضاء، ووشاح النيل عام 1994، والدكتوراه في العلوم (الأرقى من دكتوراه فلسفة العلوم) عام 1993 من الجامعة الأمريكية.
هذا عدا عن جائزة "ماكس بلانك" أرفع الجوائز الألمانية، وجائزة "ويش" وجائزة "بنيامين فرانكلين" الأمريكية (وسام و ميدالية ذهبية) في مايو 1998 وهي الجائزة التي سبق أن حصل عليها "البرت اينشتسن" ومدام "كورى" مكتشفة الراديوم والأخوان "رايت"، و قد تسلمها زويل في مدينة هيوستن الأمريكية بحضور الرئيس "كارتر" والرئيس "جيرالد فورد" وحوالي 1500 مدعو من كبار الشخصيات وصفوة المجتمع الأمريكي..
كما حصل زويل على العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية وعضوية معظم المنتديات والتجمعات العلمية الرئيسية في العالم واختير عام 1988 الشخصية رقم "18" الأكثر تأثيرا في الولايات المتحدة.
يتبع>>>>>>>>>>2- نشأة د.احمد زويل
المكتشف الصغير
15 - 01 - 2007, 17:05
2- نشأة د.احمد زويل
"نشأت نشأة دينية وسط عائلة زويل التي هي عائلة كبيرة و معروفة في دمنهور.. كان يطربني صوت المؤذن في جامع سيدي إبراهيم الدسوقي، حين كنت أسهر وزملائي للمذاكرة حتى آذان الفجر.. هذا الصفاء الروحاني و بساطة الحياة، منحاني الثقة و النظرة المتعمقة و الشاملة للحياة.. والدي لم يكن رجلا حاصلا على تعليم عال. لكن الحياة بالنسبة له كانت جميلة و بسيطة، و أهم شيء فيها هو حب الناس و معرفتهم.. أما أمي فكنت آراها تعيش كل حياتها لإسعادي و لكل أصل إلى أحسن المراكز، و كان هدفها أن أكون في يوم من الأيام دكتورا(طبيبا).. كان هذا يحيطني بشعور وجداني إنساني قوي، يربطني بالأسرة، و يربطني بالمجتمع.. و يعلمني أن الإنسان مهما بلغ أعلى المراكز وحصل على أرفع الجوائز، فالدنيا تظل بسيطة، و أهم ما فيها العنصر الإنساني، و إيماني بأن الدنيا لازالت بخير. هذه هي المبادئ التي حملتها معي هدية لي من مصر في سفري لأمريكا.
في الإسكندرية، اختلفت الأمور، إذ صرت وحيداً، استأجرت مع مجموعة من الزملاء فيلا صغيرة في "سبورتنج".. وكانت أجمل أيام حياتي.. فلا مسؤوليات البتة، اللهم إلا المذاكرة و التحصيل و كان الهم الأوحد هو الحصول على ترتيب متفدم على الدفعة.. أما فسحتنا فكانت في محطة الرمل(منطقة معروفة في إسكندرية)
عندما التحقت بالكلية عام 1963 كان الحرم الجامعي من أعظم الأماكن التي عشت فيها في حياتي كلها.. الأساتذة علمونا جيداً وقابلونا بصدر رحب، وأتذكر حتى الآن أسماء أساتذتي بعد 30 سنة.. الدكتور "الشناوي" كان يدخل المدرج مرتديا البالطو الأبيض وقد أعد المحاضرة جيدا وكنا نخاف من هيبة هذا الأستاذ.. وعندما دخلت الكلية سالت الدموع من عيني، و كانت أمنيتي في يوم من الأيام أن أكون مثل هذا الدكتور.
فالحقيقة المناخ العلمي في مصر و الجو الأكاديمي كان رائعا، فقد كان عددنا في قاعة المحاضرة سبعة فقط وأحيانا نأخذ المحاضرات في مكاتب الأساتذة ويعطوننا المراجع الخاصة بهم التي كانت تأتي من أمريكا و انجلترا. ووجدنا الشعور الجميل من المعيدين.. و بعد تخرجي و عندما طلبت السفر للخارج وافق البعض لكن البيروقراطيين اعترضوا لأني كنت أصغر معيد في القسم وأنهيت الماجستير بعد ثمانية أشهر و قالوا إن قانون الجامعة يقول لا سفر قبل سنتين ولكن أنا أصررت.
و ما أريد قوله أن الجو العلمي كان راقيا.. و أنا لا أذكر مرة أني قلت لأستاذ إن الإمكانات العلمية في ذلك الوقت في مصر كانت متواضعة.. صحيح لم تكن مثل أمريكا ولكن أنا تعلمت تعليما جميلا والنقطة الأخيرة أن المجتمع نفسه كان يحترمني جدا و كانت مرتبي 18 جنيها.. لكني دائما أذكر مصر بالخير، و في آخر جائزة نلتها قلت كلمة وذكرت هذا الكلام.. ولم أتعب للحقيقة في مصر، فقد كان المناخ صحيا و كانت هناك أمانة علمية ولم يكن هناك غش علمي."
يتبع>>>>>>>>>>3-في أمريكا
المكتشف الصغير
15 - 01 - 2007, 17:07
3-في أمريكا
"و سافرت إلى أمريكا، كان هذا في عام 1969وعمري وقتها 23سنة، لا أعرف شيئاً عن الليزر، ولم أكن قد سمعت به أبداً، و لا حتى سمعت عن جائزة نوبل.
لكني لم أخرج من مصر خالي الوفاض، فأنا كنت محملا بما أهدتني إياه مصر، وهو يمثل عوامل أساسية ساعدتني على أن أفعل ما فعلته فيما بعد.
فمصر أعطتني الأساس الصلب الذي ضم الثقة و الاحترام والمبادئ و الإيمان. وهاتيك هي القاعدة التي لا تجعل الإنسان يهتز بسهولة.. مصر علمتني أهمية التعليم و العلم، و كلما كنت أحرز نجاحا كان المجتمع الذي ولدت فيه يفرح و يفخر بما حققته من نجاح، وتقدم لي أسرتي الصغيرة الهدايا، وأسمعهم يقولون لي على سبيل المثال: "أنت رفعت رأسنا". وكنت أسعد و أنا أرى صورتي في الصحف المصرية، لأنني جئت الأول في ترتيب الناجحين.. هذا كان يوجد لدي شعورا غامرا بأن العلم شيء له أهميته التي لا تقدر بثمن، و أن من المهم أن يُعلم الإنسان نفسه.
هذا الدور الأساسي أخذته من مصر، أي أن النواة في مصر كانت مهمة جدا لي.. فمصر غرست في نفسي القيم. و حين ذهبت إلى أمريكا، حصلت على شيئين:
1- الفرصة التي لم أكن لأحصل عليها في مصر.
2- التقدير الذي استطعت أن أحصل عليه، ففي سن صغيرة جدا أصبحت أستاذا في واحدة من أعظم جامعات أمريكا وهي جامعة كالتك في كاليفورنيا. إن المجتمع الأمريكي حريص على مساعدة النابغين، بإعطائهم فرصة أكبر من غيرهم، حتى يزيدوا من إبداعهم، و يكون لهم دور علمي مؤثر على الإنسانية كلها."
* "منذ البداية كان أهم شيء أمام عيني هو حب المعرفة.. فأنا أريد أن أتعلم بالأسلوب الصحيح و ليس بالفهلوة و في أمريكا وجدت فرصة لا تعوض في الحياة، و نهراً يجري بالمعرفة، و أبحاثاً و دراسات و مكتبات مفتوحة طوال الـ 24 ساعة!
عندما ذهبت إلى أمريكا، لم أكن أعرف شيئاً عن الليزر، الذي اخترع في عام 1960، وقتها كنت في المرحلة الثانوية. وبالطبع لم يكن قد وصل هذا العلم إلى مصر عند مغادرتي لها، لكنني وبنظرة علمية، هي هبة من الله، أدركت أنه علم المستقبل واستهوتني دراسته.
هذه النظرة العلمية فطرية.. فكثيرا ما ذكرتني والدتي بأنني عندما كنت في الصف الأول الثانوي، فإنني كنت أجري بعض التجارب في غرفة النوم، و كانت هي تعلم بها بأن تشم الرائحة أو ترى الدخان خارجا من الحجرة.. فقد كنت أحرق قطع الخشب الصغيرة فوق موقد الكحول الصغير.. كنت استمتع برؤية الخشب وهو يتحول من مادة صلبة إلى مادة غازية!!.. تلك الأشياء كانت تثير خيالي.
و عندما ذهبت إلى الجامعة في الإسكندرية، كان حرم الجامعة يبدو لي شيئا مهيبا و له جلال و وقار.. فصارت أمنية حياتي أن أصبح أستاذا جامعيا، لدرجة أنني كنت أكتب اسمي دائما و في هذه السن الصغيرة، مسبوقا بكلمة دكتور.. و لكن لم يدر بخيالي قط أن أحصل على الدكتوراه في الليزر، المجهول.. لكن هاجسي الأوحد؛ أنه إذا قدر لي السفر للخارج، أن أعود لمصر وأعمل أستاذاً بالجامعة.
عندما غادرت الإسكندرية كانت ثقافتي علمية فقط، عدا عن بعض سلاسل الكتب الصغيرة التي كنت أقرأها صيفاً، وبعض القصص و المجلات و الأفلام السينمائية.. وعندما رأيت الأمريكان مبهورين بالحضارة الفرعونية والثقافة المصرية القديمة، انتقلت إلي عدوى ذلك الإنبهار.. لقد صرت فخورا بأنني أنتمي لهؤلاء العظماء.. وكان طبيعيا أن أبدأ في القراءة عنهم، ساعدني على ذلك طريقة العرض الشيقة جدا التي تتناول بها الكتب الأمريكية، تلك المواضيع.. لقد صارت لدي مكتبة ضخمة في التاريخ الفرعوني و العربي و في تأثير الأولى على الثانية.. إنهم مهتمون جدا بهذه الأشياء، و كنت أشعر بالفخر وهم يتحدثون فيها أمامي.. لذلك كنت أخشى أن يحرجني أحدهم بأن يسألني سؤالا لا أعرف له إجابة.
أذكر أن دراستي للتاريخ في مصر، كانت معنية أكثر بحفظ الأسماء والتواريخ.. في الفترة من كذا إلى كذا، كان الملك الفلاني.. وهكذا، دون استشعار أو معايشة لأحداث التاريخ.. و هي طريقة لا تنسجم معي و طريقة تفكيري، حتى أني في الثانوية العمة، لم أحرز درجات متقدمة في العلوم غير العلمية.. و لكن الآن فإن أكبر هواياتي هي القراءات التاريخية، و لكن بطريقة العرض الأمريكية.
عندما ذهبت إلى أمريكا، بهرت تماما بطرق معيشتهم و حياتهم.. كنت احمل معي عددا لا بأس به من الحلل الأنيقة و الكرافتات و الأحذية اللامعة، لزم الأناقة، فإذا بهم يلبسون الجينز الأزرق و "التي شيرت".
في اليوم الأول كنت مرتديا البذلة و الحذاء الجديد ذو النعل الصلب، كان الجليد يغطي الأرض.. وكان لقائي الأول بالجليد راقصاً، إذ سرعان ما اختل توازني وسقطت فوقه طريحا.
كانت هناك صعوبات كثيرة في البداية.. وكان يملؤني إحساس بالغرور، فقد كنت الأول على قسمي، و من ثم فكنت أشعر أنني عملاق، لكنهم سرعان ما قتلونا بالمناهج و الأبحاث و الدراسات..
كانت فترة صعبة، لكنها مرت بسلام.. كانت هناك صعوبات في المعيشة ذاتها وطريقة الحياة، مثل أنه لم يكن مسموحا التجوال ليلا أو منفردا لدواعي الأمن.. و هكذا. لكن اهتمامي كله كان منصرفا إلى تحصيل العلم وقضاء فترتي بسلام والعودة إلى مصر بسرعة حاملا شهادة الدكتوراه.
عند خروجي من الإسكندرية، كما ذكرت من قبل، لم تكن عندي فكرة إطلاقا عن الليزر، وهذا هو الشيء الجميل في العلم، أنك لا تعلم إلى أين سيأخذك.. والعالم الذي يدخل المختبر وفي ذهنه نتائج محددة يجزم أنه سيخرج بها، لا يتقبل غيرها، ليس عالما أصيلا.. فالعالم و التجارب العلمية تأخذنا بعيدا، وبعدها نجلس ونفكر كيف نستفيد من تلك النتائج والمعلومات.. تلك هي حيادية العلم وفضاؤه الفسيح. و العالم الحقيقي قد يكون لديه الحس أو الإلهام بأن ذاك هو الطريق الصحيح وأن بعض تلك الاكتشافات التي بين أيدينا قد تعني شيئاً، ومن ثم فإننا نسير في اتجاهها دون غيرها."
يتبع>>>>>>>>>>4-قرار البقاء
المكتشف الصغير
15 - 01 - 2007, 17:11
4- قرار البقاء
"دراساتي الأولى في أمريكا ودرجة الدكتوراه كانت في علم "الطيف" وأنهيتها في المدة المحددة وأقاموا لي حفلاً لتكريمي بمناسبة مغادرتي عائدا إلى مصر.. والطيف هو ما أطلق عليه للتبسيط؛ الخيال أو الظل أو الأثر.. أتذكر أغنية "طيف خيالك..."، فلكل شخص خيال مميز نستطيع أن نعرفه منه.. فلو لم نستطع أن نرى شيئاً بأعيننا- و كل الأشياء الدقيقة التي نتحدث عنها في الكيمياء أو الفيزياء هي أشياء غير مرئية- فإننا نعتمد على طيفه المميز في التعرف عليه.. والتغيرات التي تطرأ على هذه الأطياف تعطينا فكرة عن التغيرات التي حدثت في ذلك الشيء على مستوى جزيئاته الدقيقة.
عندما ذهبت إلى بيركلي، في الأيام القلائل قبل عودتي إلى مصر، قال لي أستاذي: "لقد أنجزت أشياء عظيمة.. لماذا لا تقدم أوراقك للالتحاق بأي من الجامعات العشر القمة في أمريكا؟".. قلت له:- "أنا لا أريد جامعات قمة.. ولا أفكر في البقاء في أمريكا إطلاقا".. قال لي:- "ليس مهما أن تفكر في البقاء.. بل إن هناك فائدة أخرى.. و هي أن كل جامعة تهتم بأوراقك، فإنها سترسل في استدعائك لعمل مقابلة وستدفع لك تذكرة الطائرة والإقامة.. أعجبتهم كان بها.. و إذا لم تعجبهم فلن تخسر شيئاً.. ستستفيد من وراء ذلك أن تتاح لك فرصة السياحة في كل أنحاء أمريكا مجانا قبل عودك إلى بلادك".. راقت لي الفكرة وبالفعل أرسلت إلى تلك الجامعات العشر القمة؛ هارفارد، إم آى تي، كالتك، .. إلخ. وكنت موفقا إذ أجابتني ثماني جامعات من العشر بالقبول و الدعوة للحضور، وهكذا بدأت جولة سياحية في أمريكا.
لكن اهتمامهم الفائق بي أغراني، و شعرت أن شيئا ما يمكن أن أحققه لو بقيت معهم.. و كان أن قررت البقاء و بدأت مذ ذاك رحلتي في دراسة علم الليزر.. و الليزر ببساطة شديدة هو عبارة عن طاقة ضوئية كضوء الشمس، الفارق أنها مجمعة في لون واحد. أحمر أو أخضر أو أي لون، و في حزمة واحدة صغيرة و في اتجاه واحد، ونتيجة لهذا التركيز الشديد استطعنا أن نرسله للقمر فينعكس عليه ويرتد إلينا ثانية.. إذاً هو طاقة ضوئية مركزة تركيزا شديدا في شعاع صغير له لون مميز واتجاه محدد.
كنت صغيرا في السن عندما أعطوني 50 ألف دولار، مثلي مثل أي باحث آخر، و قالوا لي سنحاسبك بعد 6 سنوات على ما أنجزته من أبحاث و فيم صرفت هذه الأموال.. لم يحددوا لي موضوعا، بل تركوا لي البحث بحرية وفيما يتراءى لي من مجالات.. أعطوني مكتبا و مختبرا، و تركوا الباب مفتوحا لمن يريد أن ينضم لي من دارسي الدكتوراه.. وفي العادة فإنهم وبعد انتهاء مهلة الـ 6 سنوات، فإنهم يرسلون الأبحاث لمحكمين عالميين، ويسألونهم رأيهم، فإذا أشادوا به، فإن إدراة الجامعة تسمح لهذا الباحث بالبقاء في الجامعة مدى الحياة، و إذا لم تكن هذه الأبحاث مهمة فإنهم يشدون على يد الباحث مودعين. إنه نظام محدد و صارم و ليس فيه مجال لتلاعب أو عاطفة. لم أكن قلقا من هذا النظام، فوظيفتي المرموقة تنتظرني في مصر و لن أخسر كثيرا إذا ما غادرت تلك الجامعة بعد انتهاء الـ 6 سنوات.
لكن ما حدث هو أني والعاملين معي حققنا شيئا ضخما ومرموقا منذ البدايات المبكرة، مما جعل إدارة ذلك المعهد العلمي العريق تقرر استبقائي معهم مدى الحياة بعد انقضاء سنة ونصف فقط على التحاقي بهم، دون انتظار لانقضاء باقي المدة، و كنت من أصغر الناس الذين حصلوا على هذا التقدير.. وبعدها مباشرة تمت ترقيتي إلى درجة أستاذ كرسي "لاينس بولينج".. وكان لاينس بولينج قد حصل على جائزتي نوبل في السلام و الكيمياء، وبهذا أصبح من أصغر العلماء سنا الذين انتخبوا لأكاديمية أمريكا للعلوم، معنى هذا أنهم لم يعطوني الفرصة فقط، ولكن أيضا التقدير العظيم الذي أعانني علميا. بعد عامين آخرين صرت أستاذ كرسيين.. وهذا شيء جميل، فليس هناك حدود للنجاح على الإطلاق، وإنما أفق مفتوح ودعم غير محدود.. إن معي في الفريق أناس أعمارهم قاربت الستين و بالرغم من ذلك فإنهم خاضعون للنظام و لا يستنكفون أن يترأسهم من هو في عمر أبنائهم، لقد تعودوا على ذلك.. و ما يكون من هؤلاء الكبار إلا أن يشدوا على يد النابغة الصغير مشجعين.. فإذا حصل أحد الباحثين على جائزة وأقامت له الجامعة حفلا لتكريمه، حضر كل الأساتذة و ألقى بعضهم الخطب والتبريكات و التهاني.. ليس هناك تحاسد ولا تحطيم و لا روح سلبية بين بعضهم البعض.. ربما لأنهم ليس لديهم وقت لذلك، وربما لأن وقتهم أثمن عليهم من تضييعه في مثل هذه التفاهات.. كلنا نساعد بعضنا، و اليوم يومي و غداً يومك و هكذا.
لقد انصهرت مع الفكرة تماما، تلك التي أخذتني و هي أنني أريد أن أتعلم.. أتعلم و أحصل على الدكتوراه، وأن أقوم بأبحاث.. لم أحاول البحث عن المعرفة بطريقة غير علمية، أو أن يكون شاغلي هو جمع المال وإلى جانبه بعض الاهتمام بالعلم. فهذا لم يكن منطق تفكيري. كان هذا هو طريقي عندما حصلت على الدكتوراه، وعينت في جامعة بيركلي، وحتى وصلت إلى المركز الذي أشغله بجامعة كالتك. ولم يكن في رأسي أي شيء بالمرة عن جائزة نوبل، رغم علمي أن كثيرين من "كالتك" قد حصلوا على هذه الجائزة. وبصدق شديد أقول لك إن أملي في نوبل كان يعادل صفراً. لكن اهتمامي كله كان مركزا على أن أحقق علما بالطريقة الصحيحة. البعض استنتج أن معادلة نجاحي هي؛ ذكاء+ إصرار+ هدف واضح+ إمكانات علمية+ أموال+ إدارة علمية سليمة، لكني أحب أن أضيف إلى هذه العوامل؛ عاملي شديدي الأهمية هما:
(1) روح الفريق Team Work
فالمجتمع العلمي هو الذي يقدر تلك الروح. ففي كالتك، فإنه ابتداء من عامل النظافة الذي ينظف مكتبي، مرورا بالمهندسين الذين يصلحون الأجهزة والموظفين في الإدارات التي نتعامل معها وانتهاء بفريق العمل المختبري المباشر، كل هؤلاء يعملون في منظومة متناسقة كجوقة الأوركسترا السيمفوني، دونما نشاز.. هؤلاء لم ينظمهم رئيس الجامعة ولكنهم تعلموا ذلك المسلك واكتسبوا تلك الروح من المجتمع العلمي الصحي الذي يعبق المكان بريحانه وروحه.
(2) عشق العمل Passion
وذلك لا يقل أهمية عن توافر الإمكانات المادية لعملية البحث العلمي. فحب العلم والافتتان بالمعرفة وعشق تلك الجزئية من العلم التي هي بين يديك، والاستغراق فيها بكل جوارحك، كفيل بأن يحملك إلى شطآن معرفية لم تحلم يوماً أن تطأها قدماك.
اعتقد يقينا أن العالِم ليس هو كل حامل لدرجة الدكتوراه، إن لدينا في العالم العربي خلط كبير من هذا الخصوص.. في أمريكا مثلا هناك "أكاديمية علوم أمريكا" و"أكاديمية العلوم و الفنون"، وهما مؤسستان لا يدخلهما إلا العلماء البارزين والمتميزين الذين درس على أيديهم عدد من حاملي الدكتوراه.. يجب أن يكونوا رموزا لمدارس عالمية وأن يشهد لهم بالتميز في كل أقطاب الكون، كلُ في مجاله، العبرة أن يكون لهذا العالم تأثير دولي وفائدة على البشرية جمعاء.
وأنا لا أدعي أنني أنجزت ما أنجزت وحدي، ولكني كنت على رأس فريق عمل مكون من 130 باحثاً من حملة أو دارسي الدكتوراه، فاستطعنا معا أن ننشر 300 بحثا ونضع 8 كتب في مجالات مختلفة.. لكن هناك شيئان عالميان أنجزناهما وأعتز بهما كأبنائي، الأول في الليزر، و الثاني براءة اختراع في الطاقة الشمسية.. و هذا يوضح أن العالِم مهما كان غزير الإنتاج فإنه في نهاية مشواره العلمي يكفيه شيئان ذا قيمة.. وكذلك أنا، فلو استطعت في ختام حياتي العلمية أن أحصى ثلاثة أو أربعة أشياء فسأعتبر نفسي محظوظا جدا."
يتبع>>>>>>>>>5- خريطة الطريق للنهضة العربية
المكتشف الصغير
15 - 01 - 2007, 17:15
5- خريطة النهضة العربية
ذكرت صحيفة الأهرام (25 أغسطس 2006، الجمعة) أن الدكتور زويل نشر مقال له بصحيفة الإندبندنت البريطانية أكد فيه أن العرب مؤهلون لاستعادة ماضيهم المجيد و أن الحروب العنيفة في لبنان وفلسطين والعراق قد كشفت حقيقة الوحدة العربية ودعا إلى أن يبني الشعب العربي بنفسه نظاما جديدا لمستقبل جديد. حيث يرى الدكتور زويل أن خريطة الطريق للنهضة العربية متكونة من أربع دعائم أساسية للتغيير والتقدم وهي:
1- دستور ديمقراطي و تعايش بين القيم الدينية والقواعد المدنية.
2- تطبيق القانون على الجميع دون تفرقة أو استثناء.
3- إنعاش التعليم والبحث العلمي و الممارسات الثقافية.
4- إعادة النظر في مهمة و دور وسائل الإعلام.
جزء من المقالة:
"وأوضح الدكتور أحمد زويل أن الدعامة الثالثة من أجل التغيير فهي ضرورة إعادة النظر وإنعاش المناهج التعليمية والممارسات الثقافية والبحوث العلمية مشيرا إلى أن الهدف يجب أن يكون تشجيع التفكير النقدي ووجود نظام قيمي للتفكير والسلوك كما يجب أن تظل الحكومة مسئولة عن التعليم الأساسي للجميع أما التعليم في المراحل الأعلى فينبغي أن يقوم على الكيف وليس على الكم و أن يتلقى تمويلا يقوم على أساس الكفاءة والاستحقاق و أن يتحرر من أية تعقيدات روتينية غير ضرورية.
و أشار إلى أن من بين الفوائد التي تتحقق من إصلاح التعليم الاعتزاز بالإنجاز على المستويات المحلية و الدولية.
أما الدعامة الرابعة للتغيير في المنطقة العربية في رأي الدكتور أحمد زويل فهي إعادة النظر في وسائل الإعلام العربية مشيراً إلى أنه في الوقت الراهن هناك قنوات تلفزيونية فضائية عديدة و هناك ما يطلق عليه مدن إعلام ينفق عليها بسخاء ربما أكثر بكثير مما ينفق على المؤسسات البحثية ومع ذلك فإن الناس غارقون في برامج دعائية ومغيبة للعقل.
وقال إن قناة الجزيرة أصبحت وسيلة إعلامية مؤثرة للغاية في ملايين العرب ويجب إنشاء قنوات أخرى مشابهة لها صلة بالأحداث الثقافية والاجتماعية و التعليمية مشيرا إلى أن الهدف الأساسي هو حفز العقول وتشجيع التفكير النقدي لإجراء مناقشات و حوارات متحضرة مؤكداً على ضرورة ألا تسيطر الحكومات على وسائل بث الأخبار ولا على تعيين رؤساء التحرير.
....
....
وأوضح الدكتور زويل في مقاله المهم أن مسؤولية الفرد عن إصلاح النفس و المجتمع قد ذكره القرآن الكريم بصورة واضحة عندما قال: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
وناشد الدكتور زويل الشعوب العربية المشاركة في عملية التغيير التاريخية وألا ينصرفوا إلى أيديولوجيات الماضي و نظريات المؤامرة في المستقبل مشيرا إلى أن السلبية تؤدي إلى الشعور باللامبالاة وإلى الإقرار بالوضع الراهن.
كما دعا المثقفين إلى التركيز على المنفعة الأوسع نطاقا و ليس فقط لمكتسبات شخصية مشددا على أن الالتزام الضميري و الوحدة من المسؤوليات الوطنية في هذه الفترة الحرجة من التاريخ.
....
وحذر من أنه لن يمر وقت طويل حتى ينفذ النفط وتهاجر الموارد البشرية غير أننا لو التزمنا بدعائم التغيير مع الجهاد من أجل التحديث والتنوير فسوف نحظى بمكاننا المناسب في المستقبل."
يتبع>>>>>>>>>>6-جائزة نوبل
المكتشف الصغير
15 - 01 - 2007, 17:20
6-جائزة نوبل
صباح الثلاثاء 12/10/1999
"ليلة إعلان الجائزة كنت أغط في نوم عميق، بينما كان القلق والأرق ينتابان زوجتي التي ظلت ساهرة أمام شاشة الكمبيوتر المتصل بالإنترنت في انتظار الإعلان عمن سيفوز بجائزة نوبل للكيمياء..
في الساعة الخامسة فجرا استيقظت من نومي فوجدتها لازالت ساهرة فدعوتها إلى النوم وأن تتخلى عن هذا الأمل، فالساعة الآن الخامسة في أمريكا، أي الثانية ظهرا في السويد وبالتأكيد فقد أعلن الفائز، وطالما لم يتصل بنا أحد، فالنوم أفضل، فلدينا عمل صباحا..
كان القلق مستبدا بها، فادعت أنها ستأتي بشيء ما للأولاد من الجراج.
وذهبت هي وهممت أنا لمواصلة نومي.
لكن تليفونا رن!!
كانت مكالمة بعيدة.
خفق قلبي.. وأمسكت بسماعة التلفون: من؟
- أنت الدكتور زويل؟
- نعم
- (بلطف شديد وأدب جم) إني أعتذر بشدة عن إيقاظي لك في هذه الساعة المبكرة من الصباح.. أرجو أن تغفر لي ذلك !.. أنا سكرتير عام الأكاديمية السويدية للعلوم.
كاد قلبي يتوقف.. وضغط الدم يرتفع لأعلى معدلاته ويضرب رأسي بقوة.. وتستمرت في مكاني.. و تجمدت سماعة التليفون في يدي.. ولم أحر جوابا.
- إن عندي لك خبر.. يعني نص نص.. (ثم أكمل بعد برهة) لقد فزت بجائزة نوبل
للكيمياء لهذا العام.. و أنت تعلم أنها أهم جائزة لهذا القرن و إني و بالأصالة عن زملائي أعضاء مؤسسة الجائزة نشكرك على ما قدمته للإنسانية.
- (و استدرك محدثي بعد لحظات) في تمام الساعة السادسة بتوقيتكم، سنضع اسمك على شبكة الإنترنت.. أي أن أمامك ثلث ساعة من الآن، و أذكرك أن تحاول أن تنعم بآخر عشرين دقيقة من السلام في حياتك!!
و قد كان.. فبعد ثلث ساعة و إلى الآن لم ينقطع رنين التلفون و لا الفاكس و لا البريد و لا البريد الإلكتروني."
* و توافد ممثلو و مراسلو الصحف و أجهزة الإعلام لحضور أول مؤتمر صحفي للدكتور أحمد زويل بعد إعلان فوزه بجائزة نوبل، ليتحدث عن الجائزة واكتشافه العلمي، و ما ستتأثر به مختلف العلوم الأخرى من اكتشافه في المستقبل. و يلاحظ أن الربط كان واضحاً بين جنسيته المصرية و الأمريكية، سواء في إعلان الملكية السويدية للخبر، أو في تغطية وسائل الإعلام الأمريكية له، أو سواء في كل حديث وتصريح كان يدلي به أحمد زويل.
في أول مؤتمر صحفي له جاء هذا المعنى على لسانه صريحاً حين قال أمام حشد ضخم من الأمريكيين:
"إنني مدين لمصر التي علمتني، وللأسرة التي أنشأتني على التربية الصحيحة، و للشعور بأننا في مصر بلد الحضارات.. و إنني أتمنى لمصر أن تحقق التقدم الذي تستحقه وأن تكون لها القاعدة القوية لدو ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد القرن الحادي و العشرين، فلا مدخل هناك إلى الحضارة و التقدم بغير العلم و التكنولوجيا."