اتفضل يا اخى
اروع موضوع تعبير
السَّلام والحرب في الإسلام بقلم جلال
مقدمة:
يتوق كل إنسان إلى الحياة بسلام.
تتنافى روح المغامرة والحرب والقتال مع تطلع الإنسان إلى الحياة المستقرة، حياة الطمأنينة والهدوء والانسجام مع الله والذات والآخرين. حتى وسط الحروب، يتطلع الناس إلى السَّلام ويقولون: متى تنتهي الحروب. ولو نظرنا إلى كل التراث الإنساني، لوجدنا أنَّ كل الإفرازات الفلسفية والدينية "الوثنية" والعقائدية كانت وما زالت تدعو إلى إحلال سلام شامل وكامل وتام، وطبعاً كل مدرسة أو فكر أو فلسفة تدعو إلى السلام من منظورها الخاص، ولديها وسائلها المحددة. في حديثنا هنا سنتعرض إلى تعاليم الإسلام عن السلام والحرب ثم تعاليم المسيحية عن السلام والحرب.
الإسلام والسَّلام
القرآن: وردت كلمة السلام ومشتقاتها حوالي 50 مرة في القرآن، وقد وردت الكلمة أولاً في سورة النساء 94:4 "يا أيُّها الذّين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيَّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السَّلام لست مؤمنا"ً .. ومناسبة الآية أن أعرابياً حيَّى جمعاً من جند الإسلام بتحية "السلام عليكم" فقالوا إنما قال ذلك حتى لا نقتله، فقاموا بقتله. فجنود الإسلام قتلوا من حيَّاهم بقوله السلام عليكم، فهو لم يبادر بالقتال أو العدوان، بل بالسَّلام، وجاءت الآية لتصحيح موقف الجنود المسلمين ممن يبادرونهم بالسَّلام.
ومن هذا النص نفهم أن المعنى المباشر لكلمة السَّلام في الإسلام هو عدم الحرب أو الهدنة والامتناع عن القتال. أما المعنى الأكثر شيوعاً لكلمة السَّلام فهو التَّحيَّة، وهذه التحية هي علاقة المسالمة، أي أنَّه لا حرب هناك.
وتفسير كلمة السلام بالتحية هو معنى معروف للكلمة حتى قبل الإسلام، ويقول ابن منظور في قاموس "لسان العرب" (المجلد 12صفحة 289) أن التحية بين العرب قبل الإسلام كانت "السَّلام عليكم" وكانت تعني عدم الحرب والاستقرار بين القبائل والعشائر العربية، وعندما جاء الإسلام، ورث عن العرب نفس التحية: السَّلام عليكم. كذلك يجب أن نلاحظ هنا أن تحية "السلام عليكم" هي تعبير عبري وآرامي قديم، وقد وردت في العهد القديم من الكتاب المقدس في سفر القضاة 20:19 وصموئيل الثاني 28:18 ونبوة دانيال 18:10. أي أنها تحية معروفة عند اليهود. كذلك وجدت عبارة "السلام عليكم" في حفريات مدينة ال بتراء حيث عاش الأنباط. ولم ترد هذه التحية في القرآن إلاّ بلغة المنكر (بدون ال التعريف)، أمّا المرّة الوحيدة التي وردت فيها هذه التحية بلغة المعرَّف فهي في قول القرآن على لسان المسيح: "السَّلام عليَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيَّاً" (سورة مريم 33:19)، وأما بقية الأنبياء والرسل، فيقول القرآن: "سلام على نوح"، "وسلام على إبراهيم" وموسى وهارون وآل ياسين وسلام على المرسلين (والتحية وردت 15 مرة)
السَّلام من أسماء الله الحسنى: يقول القرآن عن الله في سورة الحشر 23:59 "هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القُدّوس السَّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبِّر سبحان الله عما يُشركون". فهنا نجد جملة من الأسماء الحسنى التي تطلق على الله في القرآن، ومن جملتها اسم السَّلام الذي لا يرد إلا في هذه الآية ويفسر ابن منظور هذا الاسم في لسان العرب (مجلد 12 صفحة 290) قائلاً: اسم الله لسلامته من العيب والنَّقص.
ويقول ابن كثير في (المجلد الرابع من تفسير القرآن العظيم صفحة 535)
السَّلام: "أي من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله" وفي الجلالين: "السَّلام: ذو السلامة من النقائص"، أي أن معظم مفسري الإسلام يتفقون على أن إطلاق اسم السلام على الله إنما يقصد فيه أن الله سالم من النقائص والعيوب، أما المفكر المعاصر سيد قطب، فيضيف في تفسيره "في ظلال القرآن" معانٍ لم يُقصَدُ بها قطعاً في القرآن حيث يقول: "السَّلام هو اسم يشيع السلام والأمن والطمأنينة في جنبات الوجود، وفي قلب المؤمن تجاه ربه، فهو آمن في جواره سالم في كنفه.. ويؤوب القلب من هذا الاسم بالسلام والراحة والاطمئنان". نلاحظ هنا أنه في حين يتكلم القرآن على أن السلام اسم من أسماء الله، بمعنى أن الله كامل وسالم من العيوب، يحاول سيد قطب أن يربط اسم الله بحالة المسلم القلبية، وهو بذلك يضيف معانٍ لم يقصدها القرآن. (ظلال القرآن ـ المجلد السادس ـ صفحة 3533). أما الطبري فيقول: السلام أي الذي يسلم خلقه من ظلمه وهو اسم من أسمائه (راجع الطبري: جامع البيان في تفسير القرآن ـ المجلد 12 جزء 28 صفحة 36). الجنة دار السلام:- الجنة في القرآن هي دار السلام كما نقرأ في: سورة يونس 25:10، وسورة الأنعام 54:6، وسورة الحجر 46:15 فالمسلم سيختبر السلام فقط في دار السلام، ولكن هذا الاختبار، أو تذوق السَّلام لن يكون إلاّ للمتقين من المسلمين، فالمسلم أولاً سيرد جهنم، كما جاء في سورة مريم 71:19 ـ 72 "وإن منكم إلا واردها كان على ربِّك حتماً مقضياً. ثم ننجي الذين اتقوا" فمن ينجيّه الله سيدخل بسلام إلى دار السلام، أي السلامة من الآفات ومن الموت والهرم والأسقام.
سلام ليلة القدر: جاء في سورة القدر "سلامٌ هي حتى مطلع الفجر" أي لا داء فيها ولا يستطيع الشيطان أن يعمل شيئا.
السلام مع الأعداء: السلام مع الأعداء مشروط بجنوحهم للسِّلم كما ورد في سورة الأنفال 61:8 "وإن جنحوا للسِّلم فاجنح لها وتوكَّل على الله". وهو ليس حكماً نهائياً، بل مؤقتاً، حتى نزلت سورة براءة حيث أصبح الخيار أمام العدو إما الجزية أو الإسلام، فلا سلام مع الأعداء (سيد قطب: في ظلال القرآن. مجلد 3 ص 1546(
السُّنة أو الأحاديث:
وردت جملة من الأحاديث على لسان النبي محمد الذي تحدَّث فيها عن السلام، بمعنى التحية فقط، أي أنه لا يُنْسَب أي حديث للنبي يتحدث فيها عن السلام بمعنى الهدوء والطمأنينة والامتناع عن القتال والحروب. كذلك لا توجد أحاديث عن سلام القلب الداخلي والسلام مع الله ومع الآخرين. فالأحاديث مقصورة على التحية بين المسلمين. واستحباب هذه التحية (صحيح مسلم ـ المجلد الرابع ـ ص1705 ـ منشورات دار الفكر ـ بيروت سنة 1983). وفي صحيح مسلم ورياض الصالحين، نقرأ في باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يُرَّدُّ عليهم جملة من الأحاديث منها: "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريقٍ فاضطروه إلى أضيقه" وهنا دعوة إلى مضايقة واضطهاد أهل الكتاب حتى في السير في الطرقات، ودفعهم إلى أضيق ما في الطريق للسير بها (كتاب السلام ـ الباب الرابع في صحيح مسلم ـ المجلد الرابع ـ حديث رقم 13 ص1707). وقال النبي أيضاً "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم "فلا يقال وعليكم السلام لأهل الكتاب، بل يقال: وعليكم، وتفسيرها:
1 ـ وعليكم الموت. 2 ـ وعليكم ما تستحقونه من الذَّم (في نفس المرجع ص1705(.
والحقيقة أن هذه الروح في معاملة من هو خارج الإسلام تعكس حقيقة السلام الإسلامي، فهو سلام على من اتبع الهدى ـ أي أنَّ من اتبع هدى الله سَلِمَ من عذابه وسخطه، وهكذا فالإسلام فقط هو دار السلام، أما ما عداه فهو دار الحرب.
الإسلام والاستسلام: أي الانقياد.
الإسلام: إظهار الخضوع وإظهار الشريعة والتزام ما أتى به النبي، وبذلك يحقن الدم ويستدفع المكروه. يقال: فلان مسلم: أي مستسلم لأمر الله أو المخلص لعبادة الله. وقال النبي محمد: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" (لسان العرب لابن منظور ـ مجلد 12 ـ ص293). وفسر الأزهري هذا الحديث بقوله: إنه دخل في باب السلامة، وقال النبي أيضاً: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمُهُ.
وجاء في القرآن: "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا": فالإسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به محمد، وبه يحقن الدم وإن لم يسلم، فالدم يبقى والحرب قائمة.
تاريخ الإسلام: عملياً، امتاز تاريخ الإسلام بالانقسامات والحروب والفتن والمعارك والغزوات، فندر أن عاش المسلمون في سلام مع أعدائهم وجيرانهم ـ بل كانوا وما يزالون في حالة عداوة وصراع دائم.
الإسلام والحرب:
وردت كلمة قتل وقتال ويقتلون ومشتقاتها 170 مرة في القرآن.
وكلمة حرب وحارب ويحاربون وردت في 6 آيات قرآنية.
وكلمة جاهد وجهاد وجاهدوا وردت 27 مرة في القرآن.
فالقرآن يتحدث عن القتال ستة أضعاف وأكثر مما يتحدث عن الجهاد، ومع ذلك فقد تبنى المسلمون كلمة الجهاد واستخدموها في الحديث عن قتالهم في سبيل الإسلام.
الحقيقة أن موضوع القتال أو الجهاد في الإسلام هو من المواضيع المهمة والتي وردت فيها آيات كثيرة وأحاديث كثيرة جداً، ومن المستحيل إيراد جميع الآيات والأحاديث في هذا الموضوع، ولكن يمكننا أن نلخص هنا معنى كلمتي الجهاد والقتال في الإسلام، ثم ننظر إلى التطبيق العملي لهما:
الجهاد: الكلمة مشتقة من الفعل جَهَدَ ومنها الجَهْدُ والجُهد، أي بذل الطاقة، وقيل الجَهْد المشقَّة والجُهد الطاقة. وجاهد العدوَّ مجاهدةً وجهاداً: قاتله وجاهد في سبيل الله. ويقول ابن منظور في لسان العرب (المجلد الثالث صفحة 135) "في الحديث: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيَّة، والجهاد محاربة الأعداء، وهو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل، والمراد بالنية إخلاص العمل لله، أي أنَّه لم يبق بعد فتح مكة هجرة لأنها قد صارت دار إسلام، وإنما هو الإخلاص في الجهاد وقتال الكفار".
في كتاب "حقيقة الجهاد في الإسلام" من تأليف الدكتور محمد نعيم ياسين، يقول: إن للجهاد معنيين في القرآن: المعنى العام والمعنى الخاص:
المعنى العام: وهو يقترب من المعنى الذي ساد بين العرب قبل الإسلام، أي "بذل الجهد والطاقة وتحمل المشقة في مدافعة العدو الذي يبتغي انحراف الإنسان عن طريق الله عز وجل، والوقوف بَيْنَهُ وبين هُدى الله عز وجل" (صفحة 33)، وهذا هو الجانب العملي الحركي من الإسلام، ويضيف الدكتور ياسين: "إلى هذا المعنى الشامل إشارة ابن تيميه عندما عرَّفه بقوله: الجهاد حقيقة الاجتهاد في حصول ما يحب الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان" (ص35) ويقتبس د. ياسين تعريف الجرجاني للجهاد بقوله: "الجهاد هو الدُّعاء إلى الدين الحق". مع أن كل من ياسين والجرجاني لا يوضحان كيفية هذه الدعوة إلى الدين الحق.
المعنى الخاص: بذل الجهد والطاقة في سبيل الله، (كما رواه البخاري)، ويدخل في معناه كل جهد مباشر يبذل من أجل القتال، من الإعداد والتمرين والحراسة والمرابطة، ورأسها جميعاً هو الاشتراك الفعلي في مقاتلة أعداء الإسلام (صفحة 41). والاسم الخاص (كما يقول د. ياسين) لهذا الجهاد هو القتال.
ثم يلجأ د. ياسين إلى إعطاء تعريف شامل للجهاد يشمل المعنى العام والخاص فيقول: "الجهاد كلمة جامعة شاملة يدخل فيها جميع أنواع السعي وبذل الجهود والكفاح، واستخدام شتى الوسائل لإحداث ذلك التغيير الذي تبتغي إحداثه دعوة الله المرسلة إلى بني البشر" لذلك سمّى نبي الإسلام الجهاد بأنه ذروة سنام الإسلام. "فالجهاد هو مدافعة الأعداء لإزالتهم من طريق الدعوة".
وللجهاد مراتب: منها جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد العدو. والحقيقة أن غالبية آيات القرآن عن الجهاد والقتال تتحدث عن جهاد وقتال العدو. وهكذا يؤكد كل مفكري الإسلام أن قتال الأعداء واجب رباني لنشر عدالة الإسلام، فلا سلام للعدو ولا صلح ولا مسايرة ولا حتى مجرد قبولٌ لوجوده على قيد الحياة، بل القتال القتال حتى يتم إعلاء راية الإسلام.
الجهاد واجبٌ على كل مسلمٍ وكل مسلمة التزاماً بما جاء في القرآن من آيات كثيرة تحرِّض المؤمنين على القتال: سورة التوبة 36:9 "وقاتلوا المشركين كافَّةً".
البقرة 216:2 "كتب عليكم القتال".
التوبة 41:9 "انفروا خفافاً وثقالاً، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله".
التوبة 111:9 "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فَيَقْتُلون ويُقْتَلون".
النساء 95:4 ـ 96 "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضَّرر، والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فَضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ... وفَضّلَ الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً"
الصف 10:61 ـ 13 "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون".
البقرة 194:2 "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى".
البقرة 217:2 "يسألونك عن الشَّهر الحرام قتالٌ فيه قُل قتالٌ فيه كبير."
النساء 84:4 "فقاتل في سبيل الله لا تكلِّف إلا نفسك وحرِّضْ المؤمنين".
النساء 89:4 "فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتَّخذوا منهم ولياً ولا نصيراً".
الأنفال 65:8 "يا أيها النبيُّ حرِّض المؤمنين على القتال".
وآية السيف في سورة براءة (سورة التوبة) 5:9 "فإذا انسلخ الأشهر الحُرُم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلَّ مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخَّلوا سبيلهم إنَّ الله غفورٌ رحيمٌ".
ويتفق كل مفسري القرآن أن هناك 127 آية متفرقة في القرآن تأمر بالصَّفح والتّولي والإعراض والكف عن غير المسلمين، فجاءت آية السيف ونسخت جميع هذه الآيات السالفة. ويقول ابن حزم في كتابه النّاسخ والمنسوخ: إذا وجد في القرآن قولٌ يحضُّ على اللطف ومكارم الأخلاق مع غير المسلمين، فقد نسخت بآية السَّيف. التوبة 29:9 "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليومِ الآخرِ ولا يُحَرِّمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقِّ من الذين أوتوا الكتاب حتَّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. وفي التوبة 123:9 "يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلقونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غِلْظَةً".
ويؤكد سيد قطب في كتابه "في ظلال القرآن" أن القتال له مبررات من أجل تقرير أُلوهية الله في الأرض وتقرير منهجه في حياة النَّاس (في ظلال القرآن ـ مجلد 3 ص1440). ويضيف في صفحة 1446 أن "الجهاد هو رأس العبادات ودرة تاجها" ويؤكد: "أن الإسلام فكرة انقلابية ومنهاج انقلابي يريد أن يهدم نظام العالم الاجتماعي بأسره ويأتي بنيانه من القواعد، ويؤسس بنيانه من جديد حسب فكرته ومنهاجه العملي" (1446).
وفي تفسيره لسورة الأنفال، يؤكد سيد قطب على ضرورة القضاء على الأعداء نهائياً، ويقول أن "التقتيل في المعركة أولى وأجدى من أخذ الأسرى" (في ظلال القرآن ـ المجلد الثالث ـ صفحة 1538).
ولعلَّ أكثر الآيات استخداماً اليوم من قبل الجماعات الإسلامية المقاتلة، هي الآية المعروفة التي وردت في سورة الأنفال 60:8 "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوَّةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوَّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم.."، "فالإعداد فريضة لإرهاب العدو، ولا بد للإسلام من قوة عسكرية جبارة ينطلق بها في الأرض" (نفس المرجع 1543) "والإعداد يكون إلى أقصى حدود الطاقة لإلقاء الرُّعب والرهبة في قلوب أعداء الله الذين هم أعداء العصبة المسلمة في الأرض" (ص1544). ويؤكد سيد قطب صفحة 1546 أنَّ الأحكام النهائية (في التعامل مع الأعداء) نزلت فيما بعد في سورة براءة (التوبة) وأن الرسول "ظلَّ يقبل السلم من الكفار وأهل الكتاب حتى نزلت أحكام سورة براءة، فلم يعد يُقبل إلاّ الإسلام أو الجزية" وهكذا، حسب سيد قطب، "فإن منهاج الإسلام الثابت هو مواجهة البشرية كُلَّها بواحدة من ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال" (ص 1546). "فالجهاد في الإسلام ليس ملابسة طارئة، وإلاّ لما قال النبي تلك الكلمة الشاملة لكل مسلمٍ إلى قيام السّاعة: "من مات ولم يغزُ ولم يحدّث نفسهُ بغزوٍ مات على شعبةٍ من النفاق" (سيد قطب ـ الظلال ـ المجلد الثاني ـ صفحة 742)، "لا بدَّ من الجهاد.. لا بدَّ منه في كل صورة.. ولا بدَّ أن يبدأ في عالم الضمير. ثم يظهر فيشمل عالم الحقيقة والواقع والشهود" (نفس المصدر)، فلا بدَّ من تحطيم كُلِّ قوة تقف في طريق انتشار الإسلام في العالم (الظلال ـ المجلد الأول ـ صفحة 187)، فالقتال إذاً هو لإعلاء كلمة الله في الأرض وإقرار منهجه في الحياة.
القتال والجهاد في السُّنة "أحاديث الرَّسول":
يورد أبو عبد الله العبكري في كتابه (كتاب الجهاد) أو "سبعون حديثاً في الجهاد"، يورد سبعين حديثاً مسنداً وصحيحاً للنبي تتحدث عن الجهاد بمعنى القتال بالمال والنفس في سبيل الله والإسلام. ويؤكد العبكري أن في سيرة الرسول وسنَّته ما يدعو للجهاد ويحبذه ويضع أصحابه في أعلى المراتب، ومن جملة هذه الأحاديث:
1 ـ أن أفضل الأعمال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله.
2 ـ لغدوةٍ في سبيل الله، أو روحةٍ. خيرٌ من الدُّنيا وما فيها.
3 ـ رباط يومٍ في سبيل الله خير من الدُّنيا وما عليها.
4 ـ رباط يومٍ وليلة خيرٌ من صيام شهرٍ وقيامه.
5 ـ والذي نفس محمدٍ بيده، لَوَدَدت أن أغزو في سبيل الله، فأقتل، ثم أغزو، فأقتل، ثم أغزو، فأقتل، ثم أغزو، فأقتل".
ومن جملة أحاديث النبي عن الجهاد والقتال نرى أن من يقتل يدخل الجنة، وله فيها أعلى الدرجات وتغفر ذنوبه، والملائكة تظلل الشهداء، وأن على الآباء المسلمين أن يعلِّموا أولادهم الرماية وركوب الخيل، أي إعدادهم للقتال، وأن القتال أفضل من الصوم والصلاة والحج وأي عمل صالح آخر.
ويصف النبي محمد الحرب فيقول "الحرب خُدعة"، وقد قال هذا الحديث يوم الأحزاب (أي في غزوة الخندق)، فالمقاتل المسلم يستطيع اللجوء إلى الحيلة والخداع والغش من أجل كسب النَّصر على من يقاتلهم.
فالنبي محمد يعلم المسلمين أن يجاهدوا ما وسعهم لأن ذلك حق عليهم، أو كما قال: "أبواب الجنة تحت ظلال السيوف"، لذلك على المسلم أن يعمل بموجب حديث النبي: "ما ترك قومٌ الجهاد إلاّ عمَّهم الله بالعذاب"، فعدم الجهاد هو من الموبقات السبع في الإسلام. ومن الأحاديث المشهورة: "من مات ولم يغزُ ولم يحدِّث نفسه بالغزوِ مات على شعبةٍ من النفاق" (رواه مسلم) وبنفس المعنى قول النبي: "إنَّ سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله" (رياض الصالحين ص273) وقد روى أبو داود هذا الحديث بإسنادٍ جيد. كذلك فإن نبي الإسلام قال: "إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما" (صحيح مسلم، الجزء الرابع، ص1480)
فالإسلام يدعو المسلم إلى الاستعداد الدائم للقتال والحرب والجهاد، كما رأينا بقوله وأعدوا، فهذا فعل أمر يدل على الاستمرارية وديمومة الاستعداد للقتال. فالإسلام في حالة عداوة وقتال دائم مع ما سواه من العقائد، لذلك فإن القاعدة هي الحرب، أما السَّلام أو حالة السِّلم فهي حالة الشذوذ والخروج عن شرع الإسلام وسنته. فَقَوام الدين الإسلامي هو كتابٌ يهدي وسيفٌ يُنصِر.
واليوم، نجد الاسلاميين الجدد في العالم الإسلامي يقولون بأن الحكومات الموجودة طواغيت، والمجتمع جاهلي، ويكفِّرون كل شخص يفكر بطريقة تختلف عنهم، وبذلك يجدون أرضاً خصبة في القرآن والسنة لممارسة العمل العسكري والإرهابي، مسترشدين بذلك بسيرة النبي المقاتل الذي غزا في حياته 29 غزوة، وهو القائل: "بعثت والسيف في يميني، حتى يسحبها الله وحده، لا يشركون به شيئاً" (راجع كتاب محمد محفوظ: الذين ظلموا، ص 231)