9 pm
قصة تستحق القراءة....
هند والدستور
قصة قصيرة من واقع الدستور المصري الجديد
بقلم ضياء الدين النجار
نهضت هند من نومها بعد يوم طويل وقفته أمام اللجنة الانتخابية للإدلاء بصوتها بنعم لمشروع الدستور. لم تلق بالا لما سمعته من تحذيرات من "الفخاخ" المنصوبة في الدستور وكانت تعزي نفسها دائما بأنها مبالغات لا يمكن أن تحدث. كانت تريد الاستقرار في نسخته الثانية بعد استفتاء 19 مارس الشهير على التعديلات الدستورية التي دخل بعدها الاستقرار المزعوم في بيات شتوي. إن شاء الله هذه المرة سيتحقق الاستقرار.
فتحت مسودة الدستور التي اشترتها بثلاث جنيهات من بائع الجرائد لتقع عيناها على المادة 69 من الدستور التي تقول بأن ممارسة الرياضة حق للجميع. قالت لنفسها جميل ... ما أحوجني إلى بعض ممارسة الرياضة للتخلص من إرهاق يوم الاستفتاء. ارتدت البدلة الرياضية الشرعية ولفت الخمار حول رأسها وتوجهت إلى النادي بسيارة والدها لتلف حول تراك المشي عدة لفات تحرق بها ما تبقى من إرهاق اليوم الماضي. بدأت المشي بخطوات متثاقلة سرعان ما تخلصت من عبئها مع كل لحظة أخذت تفكر فيها في الاستقرار القادم. بدأت تجري وكأنها تسابق الزمان للحاق بخط النهاية الذي في آخره تلك اليافطة الشهيرة: الاستقرار.
أيه دا يا آنسة؟؟؟ قالها أحد صبية الملاعب
بتكلمني أنا؟؟؟
أيوه
في ايه؟
ايه الترننج اللي انت لابساه دا؟
ماله؟
مش شايفه حضرتك انه ماسك شوية على جسمك؟
هو لا ماسك ولاحاجة، بس حتى لو ... أنت مالك !!!!!!!!!!!!!!0
هو: إزاي مالي؟؟؟ ... هو حضرتك ما قرتيش الدستور؟ المادة 10 بتدي للمجتمع الحق في الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية ... فأنا ما بعملش حاجة غير اللي الدستور طلبها مني.
مشهد داخلي: أمام أمين شرطة خفيف اللحية في النقطة المجاورة للنادي
والد هند: الولد دا لازم يتربى ... دستور ايه اللي بيكلمني عليه ... هو ما قراش الدستور ولا ايه؟ المادة 34 بتقول: الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس ... وعشان كدا الولد دا لازم يتحاسب بالدستور والقانون
نظر إليه الأمين نظرة مستهجنة:
بس هو ما عملش حاجة يستاهل عليها العقاب، بالعكس بنتك اللي ازدرته وأهانته طبقا للمادة 31 من الدستور ... دا بدل ما تشكره على انه فاهم الدستور وطبق المادة 10 بحذافيرها ... ويا ريت حضرتك بقى اللي تلم بنتك وتفهمها الطابع الأصيل للأسرة المصرية.
والد هند: انت قليل الأدب
أمين الشرطة لزميله : ارمي الفاجر ابن الفاجر دا في الحجز وما تعرضوش على النيابة الصباحية .. خليه مشرفنا ال 12 ساعة اللي بيديها لينا الدستور في المادة 35.
بعد مرور 12 ساعة في الحجز ودون أن يبلغه أحد عن أسباب احتجازه وأمام النيابة المسائية . مشهد داخلي:
وكيل نيابة من حركة "وكلاء من أجل مصر":
حقوق شخصية ايه وكرامة ايه ؟ هو حضرتك يظهر ما قريتش الدستور كويس؟ بدلة الرياضة اللي بنتك كانت لابسها مخالفة للمادة 219 ويا ريت ترجع لقول الشيوخ المعتبرين زي ابن عثيمين، وابو اسحق الحويني، والألباني، حتلاقي إن اللبس الشرعي ما ينفعش يبقى مجسم وكمان ما تنساش إن تغيير المنكر واجب شرعي وأظن هذا ممكن تجده في الأقوال المعتبرة من مذاهب أهل السنة والجماعة!!!!0
الأب معترضا: المادة 219 مالها بالبدلة الرياضية بتاعة بنتي؟؟؟؟ امال فين الحرية الشخصية على كدا؟؟؟؟
وكيل النيابة بابتسامة المشفق: المادة 219 من باب الأحكام العامة ... أي تسري على كافة مواد الدستور ... يبقى اقرأوا الدستور كويس.
على العموم، المره دي افراج لكن يا ريت تبقى تحترم الطابع الأصيل للأسرة المصرية المرة الجايه.
في طريق العودة تخرج هند مسودة الدستور التي قرآتها وأعجبت بها وحلمت بالاستقرار معها .. تقلب فيها بأعين مبتلة وهي غير مصدقة أن فعلا ما حدث لها منصوص عليه في الدستور ... تقع عيناها على الباب الخاص بتعديلات الدستور لتدرك حجم المأساة التي ستلازمها لفترة طويلة ... تسند هند رأسها باكية إلى كتف أبيها ... لتلقي بمسودة الدستور من شباك السيارة عندما مرت بجوار صندوق "زبالة"